ما العلاقة بين الوسواس القهري واضطراب الأكل؟
يصعب التعامل معهم
د.ابراهيم الخضير
اضطراب الوسواس القهري، واحد من أكثر الاضطرابات النفسية انتشاراً، وكذلك أكثرها صعوبة في العلاج. إن نسبة الاشخاص الذين يتوقع أن يكونوا مصابين باضطراب الوسواس القهري قد يصل إلى 5% في المجتمع، وهذه نسبة عالية. وتلعب الوراثة دوراً رئيساً في الإصابة بهذا المرض، بالإضافة إلى عوامل متعددة منها: التعلم ؛ فالأم مثلاً التي تعاني من اضطراب الوسواس القهري، خاصة من الأفعال القهرية مثل الغسيل والهوس بالنظافة، وتراها ابنتها الصغيرة أو ابنها الصغير وهي تغسل نفسها عدة مرات وربما تستخدم مساحيق النظافة الطبية لكي تتأكد من نظافة الأشياء حولها، فعندما ترى الابنة والدتها تقوم بكل هذه الأفعال، فإنها تعتقد بأن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب أن يفعل للتأكد من نظافة الأشياء.. وهكذا تنتقل العادات المرضية والوسوسة بالنظافة أو بأي شيء آخر من الوالد أو الوالدة إلى الطفل أو الطفلة!.. إن الوسواس القهري مرض مزعج للشخص ولمن يعيش معه من الأهل والأصدقاء والزملاء في العمل. فإذا كان لديك زميل في العمل ويعاني من اضطراب الوسواس القهري، فإن العمل معه متعب، وممل وقد يؤدي إلى الغضب في كثير من الأحيان..! فالشخص الذي يعاني من اضطراب وسواس قهري يريد أن يكون كل شيء على مزاجه الخاص.. فيريد أن تكون الأشياء مرتبة بطريقته الخاصة، ويريد من في المكتب يشاركونه المكان أن يتصرفوا وفق طرق معينة حتى يضمن أن المكان نظيف، وكذلك الترتيب يجب أن يكون دائماً حسب ما يراه هو صحيحاً..! وإذا قام أي شخص بتغيير أي شيء في مكان العمل فإن ذلك يضايق الشخص المصاب بالوسواس القهري ويجعله قلقاً، وإذا كان صاحب سلطة فإن من يعملون تحت سلطته سوف يعانون صعوبات بالغة من تعقيداته وكثرة طلباته في العمل ليكون النظام هو السائد، حسب مايراه هو لا حسب ماهو معقول ومقبول في مكان العمل.. إن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري يصعب التعامل معهم بأي طريقة سوى الطريقة التي يرونها هي الصحيحة..! إن مشكلة الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري، يعرفون بأنهم مرضى، وأن أفكارهم الوسواسية ليست حقيقية ولكنهم لا يستطيعون أن يتخلصوا منها، كذلك هم يعرفون تمام المعرفة بأن أفعالهم القهرية بالنسبة للنظافة والتأكد من إغلاق الأشياء مثلاً هي أفعال ليس لها ما يبررها ولكنهم لا يستطيعون أن يتوقفوا عن فعلها.. لذلك تسمى هذه الأفعال بالأفعال القهرية..!
ثمة اضطرابات اخرى تختلط مع اضطرابات الوسواس القهري، ومن أشهر هذه الاضطرابات هي اضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية العصبي والذي يعرف باللغة الإنجليزية ب (Anorexia Nervosa)، وهذا الاضطراب بحد ذاته اضطراب مزعج، قد يسبب الوفاة. ففقدان الشهية العصبي هو المرض النفسي الوحيد الذي قد يقود إلى الوفاة، حيث تصل نسبة من يفقدون حياتهم من جراء هذا المرض حوالي 5%..! المشكلة أن هذا المرض أو الاضطراب يبدأ في سن مبكرة.. حوالي سن البلوغ، وربما قبل ذلك أو بعدها. ويختلط اضطراب الوسواس القهري مع اضطراب فقدان الشهية العصبي، وغالباً يكون الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب هم من النساء، حيث ان نسبة إصابة الفتيات إلى الفتيان 9:1، أي مقابل كل تسع فتيات يصبن بفقدان الشهية العصبي يصاب فتى بهذا الاضطراب المزعج. وينقسم اضطراب فقدان الشهية العصبي إلى فقدان الشهية العصبي الأساسي، وهو الذي يأتي بدون مسببات وليس نتيجة لمرض آخر نفسي كالاكتئاب أو عضوي كالسرطان مثلاً. إن اضطراب فقدان الشهية العصبي الأولي أو الأساسي يعجز الشخص عن البقاء ضمن الوزن الطبيعي لمن في عمره. وبما أن هذا الاضطراب يصيب النساء بصورة رئيسة فإن معظم الفتيات اللاتي يعانين من هذا الاضطراب تقل أوزانهن غالباً عن 25% لم هن في مثل سنهن والوزن الطبيعي لهؤلاء الفتيات الصحيحات. وغالباً ما ترى الفتاة المصابة باضطراب فقدان الشهية العصبي بأنها سمينة..! رغم نحفها الواضح والذي يلفت انتباه كل شخص يراها، فإن الفتاة ترى بأن أجزاء من جسمها سمينة وضخمة، خاصة صدرها وأردافها.. رغم أنها تكون مسطحة الثديين وأردافها عبارة عن جلد على عظم..! وفي أكثر الحالات الشديدة فإن الفتاة تنقطع عنها الدورة الشهرية وتعاني من اضطرابات في المواد المعدنية في الجسم وهذا الذي قد يسبب لها المشاكل الصحية الخطيرة التي قد تؤدي إلى الوفاة..! إن اختلال المواد المعدنية ونقص الفيتامينات واختلال ضربات القلب بسبب اختلال المواد التي تنظم ضربات القلب وكذلك تنظيم جميع العمليات الحيوية في الجسم..!
التشابه في اضطراب الوسواس القهري واضطراب فقدان الشهية العصبي، هو أن كلا الاضطرابين، يحاول الشخص أن يسيطر على الأشياء المحيطة به. فمريضة فقدان الشهية العصبي تريد أن تسيطر على وزنها بأي صورة من الصور.. فرغم نقص وزنها الواضح لكل من يراها فإنها تريد أن تتحكم فيما تأكله.. فغالباً تأكل قليلاً جداً من الطعام، وتحسب كل سعر حراري تأكله. وتمارس الرياضة العنيفة مثل الجري لمسافات طويلة، وقد عرض برنامج تليفزيون مريضة بفقدان الشهية العصبي وهي متعبة جداً من نقص وزنها ومع ذلك فإنها مازالت تمارس تمارين رياضية مثل الجري لمسافة اثني عشر ميلاً، وتمارين رياضية اخرى لإنقاص وزونها الذي يقل بكثير عن وزن أي امرأة في مثل سنها..! إن مريضات فقدان الشهية العصبي يحاولن السيطرة على أوزانهن بشكل صارم.. فهن لا يتركن أي مجال لأي زيادة في وزنهن ولو بالغرامات..! بل يحاولن بكل ما يملكن من قدرة على إنقاص أوزانهن الهزيلة جداً..!
الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري أيضاً يحاولون أن يسيطروا على محيطهم الذي يعيشون فيه. فهم يريدون أن يسيروا كل شيء وفق ما يرونه صحيحاً .. يريدون عالماً منظماً، بلا أي خلل - حسب وجهة نظرهم - التي ربما قد تكون خاطئة. ولكن مرضى الوسواس القهري ، مثلهم مثل مرضى فقدان الشهية العصبي يريدون السيطرة على البئية المحيطة بهم ويتحكمون بالظروف المحيطة بهم.
لذلك فإن هناك خصائص كثيرة مشتركة بين الأشخاص الذين يعانون من فقدان الشهية العصبي واضطراب الوسواس القهري؛ فالتحكم في النفس والسيطرة على الرغبات بصورة قوية ميزة يتحلى بها الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري وكذلك الأشخاص الذين يعانون من فقدان الشهية العصبي. الطموح والرغبة في تحسين مستوى الشخص العلمي والاجتماعي أمر مشترك بين كلا المصابين بهذين الاضطرابين.
العامل المشترك الأخير والمهم وهو صعوبة علاج كلا الاضطرابين..! فالوسواس القهري اضطراب صعب العلاج ويحتاج إلى علاج نفسي طويل من شخص متخصص في العلاج السلوكي المعرفي بالإضافة إلى العلاج الدوائي والذي غالباً ما يكون عبارة عن أدوية مضادة للاكتئاب، خاصة الأدوية التي تعرف بالأدوية المثبطة لمادة السيروتين.
أما بالنسبة لعلاج فقدان الشهية العصبي فإنه أكثر صعوبةً، فيحتاج إلى الكثير من العلاج السلوكي المعرفي من قِبل أشخاص متخصصين في هذا المجال، ويحتاج الأمر إلى وقت طويل وعلاج يشترك فيه العائلة والأشخاص المحيطون بها، وقد يتطلب علاجها الدخول إلى مصح لوقت طويل قد يصل إلى أكثر من أشهر وربما لمدة عام، تخضع خلاله إلى علاج سلوكي مكثف، وعلاج جماعي وعلاجي عائلي يتطلب إشراك جميع أفراد العائلة الذين يلعبون دوراً في حياة المريضة أو على علاقة بها بشكل قريب، وربما يتطلب كذلك حضور جلسات لبعض أصدقاء وصديقات المريضة..!!
إننا بدأنا منذ سنوات بسيطة نلحظ ارتفاع نسبة اضطراب فقدان الشهية العصبي بين فتياتنا، وهذا ربما يكون نتيجة تأثير الإعلام الذي بدأ يلعب دوراً مهماً في رسم صورة الفتاة الجميلة، والتي دائماً تكون من عارضات الأزياء النحيلات أو الممثلات النحيلات.. وبذلك أصبح نموذج المرأة أو الفتاة الجميلة هو الفتاة النحيلة بصورة مرضية.. والتي هي عبارة عن جلد على عظم.. ولكن كثير من الرجال بدأ يغير وجهة نظره نحو هذا الجمال المرضي، إلى الفتاة الصحيحة جسدياً، ولا أقصد السمينة ولكن المتوازنة في شكل جسدها.