بقلم : دعاء سمير
1
أتت "سلمى" بثوبها المهفهف المعطَّر، حاملة صينية الشاي.. وبجانب الشاي طبق بسكوت الشاي..
تصب لـ"تامر" زوجها حبيبها الشاي، وتضبط له السكر، وتناوله الفنجان بحُب ومعه بسكوتة.. يأخذ منها الفنجان بدون شكر ولا لفتة جميلة وكأنه أمر مسلَّم به. ثم ينظر ليدها الممدودة بالبسكوتة، ويرفع أرنبة أنفه بامتعاض: - "أمال فين التشيزكيك؟؟ ماعملتيهاش ليه؟؟!"تختنق بدمعة، ونفسها لو كانت تقدر تقلب الفنجان على هدومه من الغيظ والقهر. 2اليوم أكثر من كونه يوم الجمعة، فهو يوم زيارة "ياسين" الأسبوعية لخطيبته "لمياء"، تنتظره بشوق.. يسألها سؤالاً عابراً عن حالها وأخبارها فتقول له:
- خليني فيك الأول.. أخبارك إنت إيه؟؟وتجلس تستمع له وتعرف أخبار شغله، ويحكي لها عن المكائد التي تحاك من البعض ضد البعض دون مبرر، دائماً يحكي لها، ودائماً يجد منها الحب والمساندة والتشجيع. ودائماً تقول له إن آمالها فيه، لدرجة أنه أحياناً ينهرها؛ لأنها تجلسه في مكانة ليس أهلاً لها، وينسى أن يفسح لها وقتاً يخصصه لها ولحياتها بعيداً عنه.جاء اليوم وكانت هي قد ضاقت بتجاهله.. فلم تسمعه حلو الكلام الذي تقوله له دائماً عن عمله ومستقبله وما تتخيله له بعد عشر سنين، سمعته جيداً لكنها انتظرت أن يسألها عن حالها لكنه لم يفعل.. وكل ما استطاعه أن يقول:
- "مالك عامله كده ليه النهارده... فين سؤالك ولهفتك عليّ.. هتخنقي عليّ ليه؟.. هو أنا ناقص؟"..
3
وبينما كان "ياسين" يخنق على خطيبته "لمياء"، رنَّ جرس الباب في البيت المجاور، وصفة المناور في البيوت المصرية تتيح سماع كل شيء!!..
رن الجرس، فُتح الباب، دخل "معتز" خطيب "مي" خالي الوفاض.. استقبلته والدتها بحفاوة، وهي كانت تلتفُّ وراءه لترى ما بيده التي وضعها خلف ظهره ليعدل الحزام، ولما وجدتها فاضية استقبلته بتكشيرة...
- فين الوردة اللي بتجيبها لي كل مرة؟؟؟!
**********
أعتقد أنه يوجد كثيرون يشهدون هذه المواقف ويكونون طرفاً فيها حتى في العلاقة بيننا وبين آبائنا وأمهاتنا وإخوتنا وعلاقتنا بأصدقائنا، وليس بالضرورة الحب بين الشاب والفتاة التي من المفترض أن تؤول إلى زواج.
وأقصد بالموقف أن أحد الطرفين يكون -غالباً- معطاءً بزيادة وبكثرة، فيعتاد الطرف الثاني على هذا النوع والكم من العطاء المعنوي والمادي، ويشترط وجوده دائماً، بل وممكن يطلب المزيد!!
طيب.. على غرار أسئلة العلوم في سنة رابعة في درس البناء الضوئي، نسأل نفسنا عن الموقف والنتائج؟؟!
الموقف..
يحدث أن يكون الإنسان مُحباً جداً، ولديه القدرة على التعبير عن حبه بشتى الطرق، بل ويتفنن في ذلك، فمرة يكون بالكلام الجميل، ومرة بشراء شيء مميز ومحبب لمن يحبه، أو عمل مفاجآت جميلة من نوع خاص جداً، ولو لاحظ القراء الذكوريون سيجدون أنني استشهدت بموقفين، الجاني فيهما "رجل"، وموقف الجانية فيه "بنت"، ومع أنه لا يوجد في تاريخي أو تاريخ عائلتي أي انتماء لجمعية المرأة المتوحشة! إلا أنني قصدت ذلك؛ لأن البنات أكثر استعدادًا للعطاء العاطفي والتعبير والشباب أكثر استعدادًا للأخذ والتعود! مع ذلك سأبتعد عن الفروق النوعية، وسأناقش الفكرة بصفة عامة.
قلت: إنه يحدث أن يكون أحد الأطراف معطاءً دائماً وودوداً دائماً وحاضراً في حياة حبيبه دائماً فيجده في أي وقت يحتاجه، لكن مع الأسف، يحدث أيضاً أن يعتاد الطرف الثاني على هذا النوع من العطاء الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستمر على نفس الوتيرة مهما طال الأمد -وهنعرف ليه تحت.
وبعد التعود، وإذا حدث مرة ولم يجد تلك الوفرة من الحب يتساءل وربما يغضب، في حين أنه نفسه لا يقوم بربع ما يقوم به حبيبه من أجله!
الأسباب..لم ولا ولن وإمبوسيبل، أقول إنها بسبب خيانة أو ندالة أو قلة أصل أو إنهم زي القطط تاكل وتنكر.. لن أتهم الشباب ولا البنات بذلك، إنما بسبب التعود كما قلت.. وذنب التعود يشارك فيه الطرفان! أيوه.. الطرفان.. الطرف المعطاء بجزء بسيط: لأنه يحمِّل نفسه أكثر مما قد يكون في طاقته دون أن يملّ أو حتى يبين للطرف الثاني ما يفعله.
والطرف الثاني بالجزء الأكبر: لأنه لا يفكر كما ينبغي فيما يتجشمه الآخر من أجله، وحتى لو كان يفرح في الأول بما يقدمه له حبيبه فإنه مع عدم التفكير، ولا تقدير كما يجب، ومع وفرة المشاعر والحب يعتاد، فيصبح الأمر بالنسبة له مجرد روتين مثله مثل غسل الأسنان بالفرشاة والمعجون وكباية الشاي باللبن الصبح!أسمع من يقول معترضاً وهو متعصب: إنه لا يوجد في الحب "أنا" و"هو"، إنما يوجد "إحنا"، وإنه لا توجد قائمة مهام في جيب كل واحد منهما يكتب فيها ما يقوم به من أجل الثاني. أوكيه... أتفق معك.
لكن الإنسان بطبيعته في حاجة للتقدير، وفي حاجة للتذكير، حتى الآباء والأمهات الذين يدفعون عمرهم من أجلنا لا يستطيعون أن يعيشوا حياتهم ويستمروا في العطاء ونحن لا نقدم لهم ما يعينهم بالطاعة والحب والكلام الجميل والتقدير والاحترام، فما بالك بالأزواج، ولا توجد عاطفة تعلو على عاطفة الأمومة والأبوة؟؟!
هذا بالنسبة للتقدير الذي يحتاجه الإنسان الودود..
أما التذكير فهو ما يحتاجه الإنسان النسّاي الذي يعتاد الود ويتعامل معه كأمر مسلّم به، بل وواجب ومفروض على شريكه. لا بد أن يذكر نفسه بما يفعله حبيبه معه وبما قدمه له، وعليه أن يسأل نفسه، أين هو من كل ما قدمه له حبيبه وماذا فعل في مقابل ذلك؟؟
التطورات...
هل يتخيل أحد أن الموقف لو استمر بين "ياسين" و"لمياء" على ما هو عليه، أن تكتفي "لمياء" بالزهق وبالشفقة على نفسها؟!
وهل سيتوقف "تامر" عن سؤال "سلمى" عن التشيزكيك؟
ألا تتوقع أن "مي" في يوم من الأيام لما يزورها "معتز" بدون الوردة، أنها ترفض التحدث معه –أصلها عيلة وتعملها؟!
يؤسفني أن أقول إن المواقف التي ذكرتها فوق لن تتوقف عند هذا الحد، ممكن جداً أن يصل الأمر إلى أن الحبيب الودود يقلل من وده؛ لكي يشعر الآخر بوجوده وقيمته ويفتقده، وممكن يظل هذا الآخر النسّاي مصرّاً على أن من حقه أن تعمل له حبيبته كل يوم "تشيزكيك" وهو لا يفكر في أنها متعِبة وتحتاج لكثير من الروقان والجبنة الكيري والفلوس، أو يصرّ على أن تكون حبيبته هي الحاضرة لأجله دائماً في حين أنه لا يعطيها نصف ما تعطيه من عطف واهتمام مثل الأستاذ "ياسين".
وقد يتطور الأمر لما بعد العتاب الرقيق فيصل لحد "الواحدة بواحدة". حين لا يجد الإنسان المحب أمامه حلاً غير أنه كلما فعل جميلاً لحبيبه يقول له: "لما أشوف بقى هتعمل لي إيه زي ما عملت لك"! ويظل منتظراً لما سيقدمه له حبيبه رداً على عطفه. والنتيجة المؤسفة أن المُعطي يُحرم من السعادة بما يعطيه لحبيبه.
أما بعد...مع أنه اتُّفِقَ على أن "أما بعد.." تأتي في أول الرسالة أو الخطبة، إلا أنني سأستخدمها هنا في نهاية الموضوع لتكون بداية لكل إنسان في هذا الوضع ومشارك فيه إما بالإمداد أو بالنسيان. أما بعد كل ما سبق.. تعامُلنا بسلبية مع أشياء جميلة في حياتنا، يجعلنا نُحرم من طعمها، ليس لأنها فقدته بل لأننا أفقدناها حلاوتها بالتعود والمطالبة وعدم التقدير. ولكي نصحح هذا الوضع ونعطي كل ذي حق حقه، لن نضع قائمة مهام لكل واحد عن الثاني، لكن لو كل واحد هيّأ ذاته للتفكير فيما يفعله حبيبه من أجله، وتقدير ما يقوم به والتعبير عن ذلك بكلمة صغيرة، سيتحقق الاتزان في العلاقة، فلا يكون هناك دائماً جانب مائل من كثرة تحميل الجانب الآخر عليه.. فمهما طال الوقت وطال حبل الصبر، سيأتي يوم وينقطع.
إجابة نهائية...
وقبل أن أضع آخر نقطة سأطلب منكم أن تتخيلوا المواقف التي ذكرتها، وتتذكروا مواقف مثلها تمرون بها.. وكل واحد يراجع نفسه ويجيب إجابة صريحة..
ما المشكلة لو "تامر" أمسك بيد "سلمى" وقبَّلها وهي تعطي له البسكوت، وقال لها: "تسلم إيدك" مع إنه جاهز بدل ما يعقد ما بين حاجبيه ويرفع أرنبة أنفه بقرف، وهو يسألها لماذا لم تحضر له تشيزكيك؟!
وما الأزمة في تخصيص "ياسين" وقتاً لـ"لمياء" يسألها عن حالها ويطمئن عليها.. وأول ما تسأله عن نفسه يرد عليها بمثل كلامها قائلاً: سيبيك مني دلوقت.. المهم إنتِ؟!!
وما علاقة الوردة الحمراء يا "مي" هانم بحب "معتز" لكِ؟؟! يعني هل لو جاء لزيارتك اليوم من غيرها فهذا يعني أنه لا يحبك، ولو جاء بكره بها فهو يحبك؟!!
أليس جميلاً أن تكون مشاركاً في أفعال الحب
ولا تكون دائماً الفاعل لوحدك
أو المقصود بالحب وحدك..
مش كده يكون التعاون من الاتنين ؟!
موضوع اعجبنى كثيرا اتمنا ان ينال اعجبكم