السـائق الصـغير (منقوله)
تعرفون أنني أستغرب كثيرًا من أبي. ومن أمي أحيانًا. لا أفهم كيف يتصرفان. وما استغربه أكثر هو كيف لا يستغرب الناس ذلك. والأغرب، بيني وبينكم.
هو أن كلّ أهالي الحارة يتصرفون مثل أبي وأمي. كنت أعتقد أنني اصغر سائق في القرية. اليوم اكتشفت أن هناك سائقين في عمري، وربما أصغر بقليل. كنت فرحا جدا. هذا الاكتشاف خلق عندي التساؤل. لم أتوقف أي مرة عن التساؤل. لكنني في الفترة الأخيرة صرت أتساءل أكثر فأكثر.
عندما توصل أمي إخوتي إلى المدرسة بالسيارة اجلس على الكرسي القريب منها. أما أبي، فيا له من شجاع!! يجلسني على ركبتيه وينطلق بالسيارة إلى كلّ مكان.
اذكر أنني طرت من الفرح عندما طار أبي بالسيارة في شوارع القرية بعد يومين من عيد ميلادي الثاني...
أكثر ما أتساءل عنه هو: لماذا لا يستشيرني؟ لماذا لا يسألني إذا كنت أريد أن اجلس على ركبتيه وهو يطير إلى أصدقائه بالسيارة؟ وانتبهت مرة حتى أنه ترك المقود، أزاح عنه يديه وصار يحركه بقدمه... وأنا لم أعرف لماذا يفعل ذلك...هل يوجد عندكم مثل هذه الظاهرة؟ الأهل يأخذون الطفل إلى كلّ مكان ولا يجلس إلا على الكرسي المجاور لأبيه في السيارة.. عندما يسوقها.. أو حتى على قدميه أو ركبتيه...
هذا الأسبوع سلمني مقود السيارة ولم أعرف أن الزر الذي ضغطت عليه كان الزامور.. أبي يضغط عليه دائمًا عندما يمر من أمام دكان جارنا أبو الشفيق... يسلم عليه... وأكثر ما يطربني عندما يرد عليه جارنا بتحية أحمى وأقوى... لكن يبدو أن زامور سيارته كان مريضا في الأسبوع الماضي. كان صوته مبحوحا. ربما بسبب الرشح الذي يصيب الكثيرين في هذه الفترة.
وكنت أظن أبي شجاعًا جدًّا حتى قبل ثلاثة أيام... بعد عيد ميلادي الثاني بأيام...
مرّ كالعادة بسرعة قريبا من الدوار وسط البلد وفجأة ضغط على راسي وطلب مني أن انزل إلى أرض السيارة. أردت أن أسال عن السبب، لكنه قال لي بعصبية لم أتعوَّد عليها.. هش... ع السكت... وأنا لا أحكي كثيرا.. لا أعرف إلا بعض الكلمات من فيلم الرسوم المتحركة على الفضائية... اقترب منه شخص يلبس زيا أزرق، نظر إلى السيارة، لم يرنيأ لكنني دخلت تحت المقعد من شدة خوفي من أبي. وليس منه. أعطاه أبي بعض الأوراق وهو يتصبب عرقا. كان الوقت بعد الظهر. كنا في الطريق إلى مدرسة أخوتي. أعاد هذا الشخص الأوراق إلى أبي. وانطلق من جديد... ثم أوقف السيارة بعد عدة مئات من الأمتار تنهد الصعداء وقال الحمد لله أن الشرطي لم يخالفه..
أقول لكم سرًّا، بشرط ألا تبوحوا به لأبي: كنت أحب أن يخالفه. تعرفون لماذا؟ لأنه ضغط على رأسي بشدة حتى نجا من المخالفة. لو جلست في الكرسي الخلفي لما تصرف معي هكذا.
وطلب مني أن أعود إلى المقعد الخلفي، فرجعت لكنني لم أجد الكرسي الملائم لي كما أشاهده في التلفزيون. أهلي لم يشتروا لي مثل هذا الكرسي. كم كنت أحبه. إنه كرسي جميل ويحمي الأطفال. جلست مثل المسمار. لم أتحرك. بل وربطت حزام الأمان حتى.
أمي لا تخاطر. عندما نسافر خارج القرية لا تقبل أن اجلس على قدميها. تعرف من البداية أن الشرطي قد يخالفها. من البداية عرفت أنها امرأة ذكية.
ما ازعلني كثيرا في المرة الأخيرة هو ما قرأه أخي شادي في الانترنت. عن ولد توفي عندما وضعه أبوه على ركبتيه، مثلي تمامًا، ووقع حادث مع سيارة أخرى.
لم اقنع أبي أن يتوقف عن هذه العادة. عندما اعرف عددا أكبر من الكلمات ربما أقنعه. أو إذا قرأت له الخبر الذي رآه شادي.
أبي لا يريد أن يحدث لي أي سوء. لكن، لماذا يصر على أن أسوق السيارة أحيانًا بدلا منه. فأنا ما زلت صغيرا. وهو لا يشعر بالتعب. وحتى إذا كان مرهقا، يستطيع أن يطلب من أمي.
الوحيد الذي يفهم ما أريد هو جدي. دائمًا يعاتب أبي. يسأله: لماذا يجلس علي على ركبتيك؟ جدي يحبني كثيرًا. خصوصا أن اسمي مثل اسمه. أبي يسمع كلامه في كل شيء. ما عدا هذا. أبي يحيرني يحيرني.