أقبلَ الصباحُ المشرق، استيقظتِ الطبيعةُ من سُباتها، وبدأتْ تمارسُ عملها النبيل، في نشر الجمالِ والفرح..
الأزهار البديعة، افتتحتْ معرضَ ألوانها، وشرعتْ تنفحُ بالشذا والعبير
العصافير تغرِّدُ طروبة، وتنثر حولها الألحان، المرج الأخضر، فرش بساطه الناعم، لاستقبال الزائرين.
ورشَّ الندى، قطراتِهِ الوضيئة ، فتلألأ الشجرُ والمرجُ والزهر
وانسابَ النهر، رائقاً صافياً، يرسم لوحاتٍ خضراء، حيثما سار
ومرَّ الهواء بالنهر، فغسل وجهه ،وانطلق نقياً نظيفاً، ينعشُ النفوس، ويداعبُ الغصون، وحينما وصل إلى الأزهار، أعطْتهُ رسالتها العطريّة، ليحملها إلى كلِّ منْ يلقاه..
في هذا اليوم الجميل، خرج للنزهة، ثلاثةُ أولاد ..
طافوا في أرجاء الطبيعة الوادعة، فأحسنت استقبالهم، ومنحتهم كلَّ ماتملك، من متعةٍ وجمال.. وعندما جاعوا، جلسوا على المرج الأخضر، وأخرجوا طعامهم، وأخذوا يأكلون، وبعدما شبعوا، غادروا المرج، تاركين على بساطه الأخضر، عظاماً متناثرة، وقِطع دهن، وقشِر فاكهة، سرعان ماأصبحَتْ مرتعاً للذباب والجراثيم، ومبعثاً للروائح الكريهة، و حزِنَ المرجُ الأخضر، ذهب الأولاد إلى النهر، وقفوا على شاطئه، يتأمَّلونه مسرورين، كانت مياهه مرآةً صافية، ترنو إليها الغصونُ الناضرة، فترى صورتها على صفحة المياه، وتسبح فيه بطاتٌ جميلة، تتهادى كأشرعةٍ بيضاء..
أخذ الأولاد، يرمون البطاتِ بالعُلَب الفارغة .، والقمامة المختلفة ..
هربَتِ البطاتُ بعيداً، وظلَّتِ العلبُ والقمامة، تطفو وتسبح، أمام أعينِ الأولادِ، فراقهم منظرها، وجعلوا يلقون في النهر، كلَّ ماتصل إليه أيديهم ..
تلَّوثت مياهُ النهر، ورحل عنها الصفاء..
حزنتِ الأغصانُ المتدلِّية، وفقدتْ صورتها المرسومة على المياه
انصرف الأولاد فرحين، تراكين وراءهم، نهراً عكِراً حزيناً ..
وصل الأولادُ إلى شجرة فارعة، جلسوا تحتها، وأشعلوا النار، لإعداد الشاي ..
تصاعد دخانٌ كثيف ،من الحطب المحروق، لوَّثَ الهواءَ، وشوَّهَ زرقةَ السماء ..
حزنتِ الأشجارُ والأزهار، وصارت تتنفَّسُ هواءً فاسداً
وحزن الهواءُ ،فاسودَّ وجهه، وترك - مرغماً - رسالته العطريّةِ، وحمل رسالةَ الدخانِ الأسود، ليوصلها إلى كلِّ مَنْ يلقاه ..
أقبل المساءُ ،وانتهتْ نزهةُ الأولاد، فعادواإلى بيوتهم مسرورين، وحدَّثوا أهلَهم عن جمالِ الطبيعة، ونزهة الفرح !!***