السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أدب الأطفال بين الرؤية التخيل
بقلم مجدي محمود الفقي
ناقد وكاتب للأطفال
تقاس حضارات الأمم بمقياس ورقي وتقدم العلوم المعرفية والثقافية كافة التي خلفتها، أي خلاصة تراثهم الحضاري، ومن خلال هذه الصروح المعرفية تستنير الحضارة الآخذة في النمو من الحضارة السالفة، وتبدأ من حيث انتهت الأولى من لحظة توهج العلوم والمعارف، لا من حيث بدأ نجمها في الأقول، وهكذا تبنى حضارة على انقاض حضارة أخرى، وتلتقي الحضارات وتتحاور من أجل رقي وتقدم العلوم الإنسانية، تقبل الحضارة الناهضة من الحضارة السالفة كل ما يدعم ويرتفع ببناء الفكر التقدمي، وترفض منها ما يعرقل ويفسد الفكر، وأدب الأطفال يستقي فكره من علوم الحضارات وتراث الشعوب في المواطن التي ترتقي بالفكر والسلوك فقط.
ويلفظ البقاع المظلمة من تاريخ الحضارات الفكرية السالفة، فالطفل اليوم هو مؤسس بناء حضارة الغد، فيجب أن ننتقي له الجوانب الإيجابية من الحضارات السالفة، فتلتقي الحضارات الفكرية في ذهن الطفل مبسطة، يحاورها عقله، ويستقي منها ما يمهد له طريق قدراته وميوله، وهكذا ينمو فكره بآخر أفكار الحضارات الأخرى السالفة، تنقل هذه الأفكار للطفل الخبرات الحياتية من السابقين، وتنمي قدراته لتؤسس لفكر تقدمي، فيكمل الطفل مشوار الأجداد، ويعلو بالصروح الفكرية، هذا إن كانت الأفكار تحمل خبرات سوية، أما إن كانت تحتوي على تراث مغلوط به شوائب فكرية، هنا يكون هذا الفكر محذوراً، ويجب إبعاده عن الأطفال، وهذا ما سنوضحه فيما بعد من خلال المحاذير الفكرية لأدب الطفل:
علينا أن نقدم لأطفالنا البقاع المتوهجة من الحضارات السالفة، ونبعد عنهم النقاط المظلمة (السلوك الخاطئ) منها...
حدود الرؤية وفضاءات التخيل:
ينطلق الإبداع عموماً من حيث الفكرة، دون النظر في حيثيات التلقي، ونوع المتلقي، لكن أدب الطفل ينطبق من خلال المتلقي- ، الطفل ، متطلباته، احتياجاته التربوية والنفسية، .. علم نفس الطفل..
المرحلة السنية التي يقدم لها الإبداع، وإذا لم يوضع في الاعتبار كل هذا يعد هذا الإبداع فاسداً، يؤثر بشكل أو بآخر في تربية الطفل، فأدب الطفل علم تربوي وفن عالي المستوى، شديد الحساسية له مسلماته الفكرية، وحدوده المعرفية، وتحكمه قوانين وأطر وأدوات خاصة، ينطلق المبدع من قدرات متلقيه تدريجياً إلى قدراته التخيلية دون إرهاق للذائقة ليربي الفكر والسلوك.
فأدب الطفل هو المسئول عن تنشئة المجتمع المثالي، فطفل اليوم هو نصف الحاضر وكل المستقبل، والدولة المتقدمة هي التي تؤسس لمجتمع الغد، فالطفل هو حامل مشعل التنوير في الغد، ونظراً لأهمية دور الإبداع القصصي في تنشئته، حيث أن للقصص دوراً مهماً في التربية، سواء من ناحية توجيه السلوك، أو تنمية الخيال، وترقية اللغة وليس لمجرد التسلية واللهو كما يعتقد البعض، نظراً لكل هذا.
فرض علم أدب الطفل محاذير تربوية لما له من تأثير مباشر على المتلقي المحدد سلفاً، ويرى علماء النفس والتربية، أن الأسلوب القصصي أفضل وسيلة نقدم عن طريقها ما نريد تقديمه للأطفال، سواء كانت قيماً دينية أو أخلاقية أو معلومات بكافة أشكالها.
أدب الطفل من الآداب الموجهة، أي المحدد سلفاً لمن سيوجه، وأرى أن كل الآداب المعروفة موجهة توجيهاً تربوياً، كآداب الطفل، أو فكرياً يحمل في طياته وخزات فكرية، توجه المتلقي إلى تيارات فكرية أو سياسية أو دينية أو خلقية.
وإن كان التوجيه الفكري للطفل يحمل التوجيه التربوي البحت، الكاتب يكتب القصة أو القصيدة أو المقال، ويضع في اعتباره المتلقي المعني بالخطاب، فإن كان يخاطب عامة الشعب، عليه أن يجمع بين البساطة والمبالغة..شمولية الفكرة وتقعيرها بالإضافة إلى بساطة اللغة، وتعميق دلالاتها، ورغم ذلك يلعب بكل أدواته ويطلق العنان لإبداعاته وقدراته.
أدب الطفل هو الوحيد الذي يلتصق اسم نوعه باسم متلقيه، وعلى الكاتب أن ينطلق من خلال المستويات الفكرية والمعرفية لمتلقيه، لا من خلال مستوياته الفكرية والمعرفية هو، من البداية هو يدرك أن المتلقي الذي ينتظره في نهاية بحر الإبداع طفل، إذن عليه أن يحدد قاموسه المعرفي واللغوي وتركيبه الفسيولوجي والبيولوجي، لتحديد ميوله الفكرية، والانطباعية للفكر الذي يتلقاه يستعيد ذاكرته وغرائزه الطفولية بفكر واع لكاتب مبدع.
إن تحديد المرحلة السنية مهم جداً للكاتب فكل مرحلة سنية تفرض الفكرة التي تناسبها واللغة والمعلومة.
قد يقول البعض إننا ونحن صغار كنا نقرأ ماطالت أيدينا ونفهمها جيداً، أقول لهم:
لايحدث هذا على مدار الحياة الطفولية، ولكن في مرحلة مابعد الثانية عشرة، فالطفل من 6 ــ 12سنة، لاتناسبه القراءة العشوائية، الغير مقننة تربوياً، حتي ولو بكثير من السؤال والاستفسار لمن حوله في اللغة والقصد الفكري، فقد يقع في هوة تربوية ضارة، إذا كانت القصة أو القصيدة تحوي سلوكاً شاذاً، تحفظ عليه ولا تنبذه مثل روايات الجسد، أو ما تدعو إلى الحب عرضاً أو التدخين، فيجب انتقاء الفكر الثقافي المقدم للطفل، في مرحلة الطفولة المبكرة خاصة والمحددة في علم النفس التربوي من 6:12 سنة، تماماً كما ننتقي الطعام لأطفالنا بعيداً عن المواد الدسمة التي تعوق نموه ونحفزه على المواد التي تساعد على نموه الجسماني والفكري، وحدد رب العزة في محكم التنزيل في كتابه الكريم الخط الفاصل، لدرء مسار السلوك الأخلاقي لمن لم يبلغ الحلم، أي النمو البيولوجي للتركيب العضوي. فقال تعالى
ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم) »النور الآية 58«، هكذا وضع رب العزة الخط الفاصل للتربية الفكرية، ببلوغ الحلم يبدأ النمو البيولوجي للطفل وينتقل إلى مرحلة أخرى: هي مرحلة الفتيان وهي أيضاً تحتاج إلى توجيه السلوك، وتحتاج إلى متابعة فكرية وتثقيفية، أكثر من مرحلة الطفولة المبكرة، إذن الغفلة فيها ولو لبعض أيام، تؤدي إلى انحراف السلوك. والمعروف أن الخيوط المعرفية رفيعة جداً، بين المراحل السنية للفكر الطفولي، هكذا نشأت أفكار أدبية ناطقة بالشمولية المعرفية لكافة المراحل السنية، بل وتتخطاها إلى كل المستويات الفكرية، كل منها ينهل أبعاداً جديدة، ويستنبط رؤى مغايرة مثل هذا الإبداع، يسمى بالذي ضرب المعادلة الصعبة للتلقي، ودائماً ما تكون هذه الآداب اجتماعية، وليست فردية، وإن تجسدت من خلال الفرد، مثل معالجة مشكلة الفقر.. الغلاء.. إلخ... تصاغ بطريقة حكائية بسيطة بها التوجيه الاجتماعي والسلوكي، نقصد بالحكائية: هنا القصة التي نسجت بفكر مشوق، يحمل بين طياته الحكاية للحكاية لا الحكاية للتوجيه، وإن كانت في النهاية يثير رابطها الحبكي التوجيه وعين العبرة يثير في نفس الذائقة عجباً، والذهن أثراً.
محاذير فكرية وإبداعية وقضايا أدب الطفل:
أي فكر لا بد أن يمر بمصفاة التعقل، فإذا خرج الفكر تلقائياً دون المرور بمصفاة التعقل، كان هلوسة ماجن لا يرتقي إلى الفكر الواعي الذي يندرج تحت قائمة التثقيف والثقافة، التي تهذب النفس البشرية، من هذه الحقيقة نستنتج حقيقة علمية ثابتة مسلماً بها، هي أن الفكر البشري مهما كانت مسمياته تحكمه محاذير، يجب الالتزام بها، حتى لا يندرج تحت طائلة الفكر الماجن، نعم لحرية الإبداع الذي مر بمصفاة التعقل بقوانين الممكن والواجب وما يجب وما لايجب أن يكون، ولا لحرية الإبداع القائمة على هدم كل القيم والمبادئ والمقدسات الثابتة، والإبداعات التي تفزع الهوية البشرية، نعم أطلق الله جل وعلا لنا حرية الفعل والعمل، ولكنه توعد العاصي بالعقاب ، والمحسن بالثواب، وتعد أوامر الله ونواهيه هي محاذير فطرة الخليقة جمعاء، فما بالنا بأدب الطفل، وهو موجه لفئة شديدة الحساسية.
أي مبدع يحاور عقله ملكته أثناء لحظة الإبداع. يحاور الفكر ويزن اللفظة بميزان الممكن والواجب، ويزن الفكر بميزان التعقل، وهذا ما يسمى بالمحذور الفكري.
يجب أن ننتقي الفكر الإبداعي والعلمي، الذي نقدمه لأطفالنا، كما ننتقي طعامهم، كما يجب أن نقدم لهم الطعام الذي يساعد على سرعة النمو الجسماني، يجب أيضاً أن ننتقي لهم الثقافة التي توسع دائرة التخيل لديهم والابتكار، نعم للثقافة التي ترتقي بالسلوك والفكر، وتهذب النفس البشرية، لا للثقافة التي تنحدر بهم في ظلمات التخلف الأخلاقي، وتجرهم إلى الشذوذ الفكري والأخلاقي، وتغذي تخيل غريزة الانحراف غريزة الابتكار بابتكار الفساد.
وبناء على ما سبق:
أصبح لزاماً على كل مبدع للطفل ألا يتعدى حدود الفكر الإبداعي ومحاذيره، فليس كل ما يكتب يصلح للطفل، وهذا ما أكده الكاتب الكبير يعقوب الشاروني، في كتابه »تنمية عادة القراءة عند الأطفال« و ليست كل قصة صالحة للأطفال، فالكثير من القصص التي تقدمها الكتب، أو وسائل الإعلام، وتتضمن بعض المفاهيم والنماذج السلوكية التي تمثل خطراً كبيراً على الأطفال، وتقدمها بكثرة مجلات الأطفال المسلسلة المرسومة، مثل »الكومكس« وأيضاً البرامج المرئية.
بالإضافة إلى المحاذير الفنية للصياغة الأسلوبية ، هناك محاذير أخرى فكرية تدس وسط الأفكار، نعدد منها:
أولاً: محاذير الصياغة الأسلوبية:
اللغة: تعد اللغة التبسيطية من أهم سمات أدب الأطفال، وأول المحاذير الفنية، فلا بد من مخاطبة المتلقي بلغة توصل له القصد، فلا يجد عراقيل لغوية، ومصطلحات تكون عائقاً أمام غوره في بؤرة الفكرة، وتدريجياً يمكن طرح أكثر من معنى لذات الكلمة التي تكرر في نفس القصة لإثراء القاموس اللغوي للمرحلة السنية المخاطبة تضرب اللغة المعادلة الصعبة، إذا كانت بسيطة وثرية، ويأتي الثراء اللغوي من الجملة الطيعة، التي تحمل معنى الفكرة بسهولة، ودلالات الأبعاد مبسطة فيها بلا عوائق للذائقة والتخيل، هكذا تضرب اللغة المعادلة الصعبة بالفكرة فتصلح القصة لكل الأعمار السنية، كل منهم ينهل منها قدر تفكيره، ويستنبط دلالات وأبعاداً مغايرة.
ثانياً : محاذير خاصة بالأفكار:
قصص تثير الفزع والرعب والرهبة
يرفض علماء التربية، وعلم النفس هذا النوع من القصص تماماً للطفل، لأن القصص التي يغلب عليها طيف الفزع والرهبة، تترك في الذائقة اشتياقاً ممزوجاً بالجزع، وفي النفس جبناً وعقداً، وأمثال ذلك: قصص »أمناً الغولة، وقصص المردة، والعفاريت« هذه القصص تهدم الشخصية، وتقتل الحس الفكري لدى الطفل، ولا تؤسس الطفل الشجاع، ولكنها تؤسس الطفل الجبان المتخاذل، الذي يتملك الخوف من فرائسه.
هذه الأفكار تختزن في العقل الباطن للطفل، فيحلم بها وتتمكن من تكوينه الشخصي لأنه يعايش الأفكار والشخصيات، في وجدانه على أنها واقع ملتحم بالحياة لا خيال، فإذا سلمنا بذلك كان خطراً على الطفل قراءة أو حكي مثل هذه القصص عليه، والمثال القريب من ذلك أن الطفل لا يخشى الظلام، إلا إذا أدعيت سلفاً له الخوف منه وأن به عفاريت مضرة.
الإبداع عزيزي القارئ يشكل كيان طفل اليوم رجل الغد فالطفل يظل معايش الفكرة حتى بعد الانصراف، من لحظة المعايشة الفكرية للقص، يتخيل بالفعل أن هناك عفاريت تحاصره بالظلام، وأن هناك »أمنا الغولة« عند البئر إلخ...، وحسب كل منا نفسه، لايزال يعيش بوجدانه قصصاً قرأها في صباه، فيجب أن نؤسس لطفل شجاع، لكي نبني أمة شجاعة، لا أن نؤسس لطفل جبان فنبني أمة ضعيفة.
القصص الشعبية التي تحتوي على مواقف منافاة الأخلاق:
تعد هذه القصص أيضاً محذورة على الأطفال، مالم تنقَ من الشوائب الفكرية والخلقية، فإذا عجزنا عن تنقيتها مع الاحتفاظ بما فيها، من جاذبية وتشويق نبعدها تماماً، عن دائرة أدب الأطفال وأمثلة ذلك: قصص (طرزان- وسوبر مان- والجاسوسية)، التي لا تحتوي على قيم إنسانية أو أخلاقية ، بقدر ما تمجد العنف كوسيلة لحل المشاكل، وتجعل القوة البدنية، هي العامل الأقوى في حسم المواقف.
مثال: طرح شخصية (طرزان)، الذي تربى بين الحيوانات، ولا يعرف وسيلة لحل مشاكله إلا بالقوة البدنية، هذه الفكرة تسقط سلوك الطفل العقلاني، إلى السلوك العدواني، دون استخدام العقل، فيجب طرح قصص تدرب الناشئة على حل المشاكل بإحلال العقل محل القوة.
قصص تثير العطف على قوى الشر أو تمجيدها
كذلك يجب تجنب القصص، التي تثير العطف على قوى الشر، وتمجده مثل انتصار الشر على الخير،.. الظالم على المظلوم...الشرير على الشرطي، أن من يطرحون مثل هذه القصص يدعون، أنهم يكشفون السلوك الخاطئ في المجتمع، لأن الطفل يعياش السلوك الخاطئ من حوله، ويدركه تماماً كمن يكذب أمام أولاده، ويدعي أنها كذبة بيضاء، والطفل لايدرك إلا الكذب بصورته القبيحة ولا يميز ألوانه، نعم المجتمع تموج بعض طباعه بالكذب والخداع، لكن يجب أن نجنب الطفل هذا السلوك الخاطئ، ونبغضه فيه كي ينشأ على نبذه، فالكذب.. كذب ولو مزاح، أما عن إثارة العطف على قوى الشر والانتصار له في النهاية، يؤدي إلى ترك عقد نفسية في نفس الطفل، ويأسه من المجتمع الذي يحيا فيه، فيسلك السلوك الشاذ، ليبقى ضمن طائفة الأقوياء المنتصرين.
إن تعظيم الشر أو الظلم المطلق، ينشئ داخل الطفل اليأس من الحياة، وبغضها ويؤسس للجبن أيضاً، مثال ذلك
قصص الرجل الخارق، وسوبر مان) وأيضاً قصص الخير المطلق، تؤسس للتخاذل والتواكل فأي إنسان داخله الخير والشر، فيجب طرح الخير بحسناته، والشر بسلبياته وأضراره، ونترك الطفل يميز بعقله وإدراكه، يقول الكاتب يعقوب الشاروني في هذه القضية: إن الأطفال يتأثرون يمختلف المواقف بالقصة، من حركة وتشويق، فإذا كانت القصة تتضمن انتصار الشر أو تمجيده أو إظهار بطولته، تؤثر بعمق في الأطفال، وأكثر ما يؤثر في الطفل الخاتمة التي يظل شغوفاً لمعرفتها، فإن كانت تدين الشر في النهاية فلن تنفي الأثر بعبارات عامة فالمواقف والحركة والحوار والخيال لها تأثير أكبر عليهم.
محاذير السخرية بالآخرين:
من المحاذير التي تؤسس للسلوك الشاذ أيضاً، القصص القائمة على السخرية من الآخرين وتدبير المقالب لهم وإيقاع الأذى بهم، منها السخرية من علة المعاق أو عيب خلقي في نطق البعض وتدبير المقالب للكبير مثلاً وإيقاع الأذى بالأعمى، بإيقاعه في فخ ما أو غيرها، دون تعظيم الأثر الواقع على المخطئ أو مدبر المقلب، هذه الفئة من القصص لا يهدف كاتبها إلى ترسيخ سلوك تربوي قط، بقدر ما يهدف إلى ثراء القصص بالسمة الفكاهية المرحة التي تمتع الطفل، وهو في سبيل امتاع قارئه يضرب بكل المحاذير عرض الحائط، ومن الأمثلة الشهيرة لهذا الفكر الخاطئ تربوياً: الأفلام المتحركة في قصة »توم وجيري«، وهذه القصة رغم ما بلغته من شهرة جماهيرية لدى الأجيال إلا أنها فاسدة تربوياً، ترسب هذه الأفلام في وعي الطفل نمطاً سلوكياً خاطئاً، يقلده الطفل ويتمثل به ليحقق ذات المتعة والشقاوة الفكرية على من حوله، ويحس بالتفوق على الآخرين، تعد أيضاً السخرية من الأجناس الأخرى - (الزنوج)..
مثلاً الأسود والأبيض وغيرها من المحاذير الإبداعية، الدعوة إلى نبذ الجنس الآخر الأسود يرسب الضغينة والحقد في نفوس الأطفال، ويؤسس للتفرقة والتشرذم لا الوحدة والتآلف، فلا بد أن يؤسس الكاتب لاعتزاز كل طائفة بصفاتها التي خلقها الله عليها تماماً مثلما فعل الكاتب الروسي في إحدى قصصه، عندما عالج هذا الخطأ السلوكي في نفس جنس الزنوج بشفافية عالية، وتحكي القصة أن طفلاً زنجياً أراد تغيير لون بشرته السوداء فدهن جسده باللون الأبيض، فعندما رجع إلى المنزل عنفته أمه، وقالت له أين ذهب لونك الأسود الجميل، اذهب واغسل جسدك.
ونحن كعالم إسلامي تحثنا تعاليم ديننا السمح على نبذ التفرقة، فلا بد أن نؤسس لذلك في تربية أبنائنا، لا ننتصر لفئة على حساب الأخرى، فتترسب في أذهانهم التفرقة، كما حدث في قصة (طرزان)، التي تؤكد تفوق الرجل الأبيض ليبين تفاهة حياة سكان أمريكا الأصليين وأن من حق الرجل الأبيض أن يقتلهم كما يقتل الحيوانات المتوحشة، وهذا فكر شاذ فيجب أن نبني لاحترام الحياة الإنسانية، والحفاظ عليها وتقديرها وتقديسها مهما اختلف لون البشرة.
في النهاية نود أن ندعو كل كتاب الأطفال، أن يدقق كل منهم في اللفظة والفكرة ويعي جيداً ثمرة فكره وما ستؤول إليها من نتائج، فقبل أن يبذر البذر أو يغرس الغرس، يدرك جيداً مراحل نمائه تماماً، كالفلاح الذي يدرك أضرار الحشائش على كل مرحلة من مراحل زراعته حتى يتم نضجه.
مع احترامى وتقديرى
هشام المصرى