ماذا دهاها وماذا ألمّ بها ؟! شريطان هل يكونا آخر عهدي بها ؟! سوف أحتفظ بهما ، سوف أغلفهما . . سوف أسمعهما ولسوف أحفظهما كاسمي . . وألقيهما على مسامعها لعلها ترضى عني . .
دخلُت السيارة . . فتحت الشريط الذي لا يحمل عنوانا . . ووضعته في ( الكاسييت ) . . وفي رأسي ألف سؤال يحتاج لألف جواب .
لماذا لا تكونين بجواري يا ملاكي ؟! هل سببت لك أذى . .؟!
ومن الكاسييت خرج الصوت . . لا . . لم تسبب لي أذى يا زميلي . . بل أنت حقا من أرق من عرفتهم في حياتي . . وأصدقهم حبا . . حتى أنك تراني فاتنة بدون توكة ( ميكي ماوس ) وهذا لعمر الله قمة الحب الحقيقي !
اندهشت ، كيف أجاب ( الكاسييت ) عن تساؤلاتي ؟! تراها واقفة بجواري وأنا لم أرها ؟! تلفت حولي فلم أر أحدا . . ولكن لم أكن في مزاج رائق للتحقيق في مسائل ما وراء الطبيعية .
اسندت رأسي على المقود . . لماذا تركتيني إذن . . ؟! لماذا ؟! من جديد ينطق الكاسييت : تأكد أنك لم تخطئ في حقي . . ولكني تركتك لإني أحبك . . ولأني أحبك تركتك !!
كيف . . كيف هذا ؟! ( هنا يستمر الكاسييت في الإجابة ، بينما يزداد انهمار الدموع من عينيّ مع كل كلمة )
نعم . . لقد عرفت الحقيقة التي غفلنا عنها كثيرا . . لا . . لم نغفل عنها . . ولكننا كنا نعرفها ولكن نتجاهلها . . ولكني لن أستطيع التجاهل أكثر . .
لقد قابلت صديقة لي بالأمس . . من صديقاتي العزيزات . . لقد كانت تنصحني كثيرا . . ولكني كنت أحاول ألا أتأثر بكلامها رغم اقتناعي به .
لكن هذه المرة . . صدقني . . كانت أقوى مني . . أقوى مني بكثير . . كلماتها كانت حنونة رقيقة كالحرير . . صلبة كالألماس . . متلألة كالدر المكنون . .
إنه المعلم . . . الذي غنى له سامي يوسف . . إنه معلم الحب الأكبر . . وصاحب أكبر أثر حقيقي في قلوب البشر . . علمّنا الحب . . وعلمنا كيف نحب . .
محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي عندما سُئل عن أحب الناس إليه ، أجاب فورا دون تفكير : عائشة !! لم يفكر في رفيق دربه . . وصاحبه الصديق . . ولم يفكر في عمر الفاروق ! ولم يفكر في إخوانه من الأنبياء الذين سبقوه . . ولكنها هي حبيبته . . وعشيقته . . زوجته عائشة رضي الله عنها.
هي التي أحبها . . ومات ورأسه في حجرها . .
هي التي كان النبي يسترها بردائه ، وهي تشاهد لهو الحبشيين في المسجد . . حتى أنه لم يكل . . وكانت تقول أنها طوّلت في المشاهدة رغم مللها من مشاهدة اللعب . . ولكن فقط لكي ترى إلى أي مدى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها وسوف يتحمل طلبها !!
هي التي كان رسول الله يسابقها . . ويداعبها . . ويواسيها . . ويهنئها . . حتى إذا كانوا في السباق كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتركها تسبقه ، حبا لها . . وعشقا لها .
وعندما سُئل من أحب الناس إليه بعد عائشة . . قال : أبوها !! فحتى لم يقل ( صاحبي أبو بكر ) أو ( الصديق ) ، وإنما استعمل ضمير عائد عليها أيضا !! وكأنه مصمم على أن يؤكد لنا مدى قوة تلك الصلة بينه وبين حبيبته .
ألا يستحق أن يكون هو معلم الحب الأكبر ؟! ألم يكن رسول الله عاشقا ؟ يحب زوجته . . كما لم يحب أحد زوجته قط .
وها هو رسول الله يحبنا أيضا . . وليس زوجته فقط . . فقال يوما : إني اشتقت إلى إخواني . . فتعجب الصحابة وقالوا : ألسنا إخوانك يا رسول الله ؟! قال لا : بل أنتم أصحابي . . وإنما إخواني قوم يأتون بعدكم ، يؤمنون بي ولم يروني . . الخ
يا لك من حبيب يا سيدي يا معلم . . يا لك من رقيق . . أرق من الرقة ذاتها . . أرحم من الرحمة ذاتها . . هو المعلم الذي تحسده معاني الرقة . . والحب والحنان !!
هو الذي لو بحث الحب عن كيان ليتجسد فيه . . لم يجد إلا هو راغما مرغما !!
هو المعلم الذي علمنا أننا عندما نحب أحدا فإننا نخشى عليه . . نحميه . . نحوطه برموش أعيننا . .
يا حبيبي يا محمد . . نور عيني يا محمد . . صلى الله عليه وسلم .
( مازال صوت الكاسييت يتردد ، لكن يخالطه صوت نشيجي الآن )
لهذا ، فإنني أحبك . . ولأني أحبك فإن يجب أن أرعى مصلحتك . . وأخشى عليك . . أخشى عليك من لهيب النار يا أخي . . أخشى عليك من حر جهنم . . التي أخف عذاب فيها أن تلبس نعلا من النار يغلي له رأسك ! أنا أحبك . . وأنت تحبني . . ولعمر الله إنه لحب طاهر عفيف . . لكنها طهارة منتقصة . . وعفاف متهالك . . لطالما لمست يديّ . . ولطالما تزينت لك بـالتوكة التي تجعلني فاتنة . . ولطالما ضيعنا الأوقات في أوهام وخيلات . . أليس كل هذا انتقاص من طهارة حبنا ؟! واستهلاكا غير واع لمياه نهر حبنا المتدفق الجاري ؟!
سوف أظل أحبك للأبد . . وحتى تحترق النجوم كلها . . الخ . لكن حب من بعيد . . سوف أنتظر العامين الذين تقول أنك ستكون قد أنهيت دراستك فيهما . . سوف أنتظر أن تتقدم لخطبتي . . ولكن حتى يحين الموعد . . فأنا أحبك . . ولأني أحبك فلن نقذف ببعضنا في النار . .
سوف يتعذب قلبينا . . وسوف يكتويان بالنار . . لكنها أهون من نار جهنم . . وليكن ذلك تكفيرا عما ارتكبنا من ذنوب في الفترة السابقة . سوف نتألم كثيرا . . ونتجرع مرارة الفراق . . ولكنه أهون من تجرع مرارة الصديد والزقوم .
ولسوف يبدلنا الله بحب أقوى أمتن . . حب بدون التوكة التي تجعلني فاتنة . . هكذا أخبرنا الحبيب . . أنه من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه . . وهكذا فعل مثلنا الكثيرون . . ولم يندموا . .
وفعل عكسنا الكثيرون فندموا وانتهت العلاقة عند ظهور أول فاتنة بتوكة أجمل !!
لا تنسى أن تغسل وجهك وتتوضأ ، وتصلي ركعتين .. تسأل الله فيهما الثبات . .
استمع إلى المعلم . . وسوف أدعو لك في صلواتي أن يملأ قلبي بفيض الإيمان به . . وجميل التوكل عليه . . وأن يحفظ حبنا طاهرا نقيا .